كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


فرق ابن القيم بين المبادرة والعجلة بأن المبادرة انتهاز الفرصة في وقتها فلا يتركها حتى إذا فاتت طلبها فهو لا يطلب الأمور في أدبارها ولا قبل وقتها بل إذا حضر وقتها بادر إليها ووثب عليها والعجلة طلب أخذ الشيء قبل وقته‏.‏

- ‏(‏حم قط عن أبي أيوب‏)‏ الأنصاري وفيه ابن لهيعة قال الذهبي‏:‏ وشاهده لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم‏.‏

3116 - ‏(‏بادروا أولادكم بالكنى‏)‏ جمع كنية أي بوضع كنية حسنة للولد من صغره ‏(‏قبل أن تغلب عليهم الألقاب‏)‏ أي قبل أن يكبروا فيضطر الناس إلى دعائهم بلقب يميز الواحد منهم زيادة تمييز على الاسم لكثرة الاشتراك في الأسماء وقد يكون ذلك اللقب غير مرضي كالأعمش ونحوه فإذا نشأ الولد وله كنية كان في دعائه بها غنية وهذا أمر إرشادي‏.‏

قال ابن حجر‏:‏ الكنية بضم فسكون من الكناية تقول كنيت عن الأمر بكذا إذا ذكرته بغير ما تستدل به عليه صريحاً وقد اشتهرت الكنى للعرب حتى غلبت على الأسماء كأبي طالب وأبي لهب وقد يكون للواحد أكثر من كنية واحدة وقد يشتهر باسمه وكنيته معاً فالاسم والكنية واللقب يجمعها العلم بالتحريك وتتغاير بأن اللقب ما أشعر بمدح أو ذم والكنية ما صدرت بأب أو أم وما عدا ذلك هو الاسم‏.‏

- ‏(‏قط في الأفراد عد‏)‏ وكذا أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ في الثواب وابن حبان في الضعفاء ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ثم قال مخرجه ابن عدي بشر بن عبيد أحد رجاله منكر الحديث وقد كذبه الأزدي وأورده في الميزان في ترجمته وقال‏:‏ إنه غير صحيح وقال ابن حجر في الألقاب‏:‏ سنده ضعيف والصحيح عن ابن عمر من قوله اهـ وأورده ابن الجوزي في الموضوع وتعقبه المؤلف بأن الشيرازي في الألقاب رواه من طريق آخر فيه إسماعيل بن أبان وهو متروك وجعفر الأحمر ثقة ينفرد‏.‏

3117 - ‏(‏بادروا بالأعمال فتناً‏)‏ جمع فتنة وهي الاختبار ويطلق على المصائب وعلى ما به الاختبار ‏(‏كقطع الليل المظلم‏)‏ جمع قطعة وهي طائفة منه يعني وقوع فتن مظلمة سوداء والمراد الحث على المسارعة بالعمل الصالح قبل تعذره أو تعسره بالشغل عما يحدث من الفتن المتكاثرة والمتراكمة كتراكم ظلام الليل ثم وصف نوعاً من شدائد الفتن بقوله ‏(‏يصبح الرجل‏)‏ فيها ‏(‏مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً‏)‏ هذه رواية الترمذي ورواية مسلم بأو على الشك وهذا لعظم الفتن يتقلب الإنسان في اليوم الواحد هذه الإنقلابات ‏(‏يبيع أحدهم دينه بعرض‏)‏ بفتح الراء ‏(‏من الدنيا قليل‏)‏ أي بقليل من حطامها قال في الكشاف‏:‏ العرض ما عرض لك من منافع الدنيا قال في المطامح‏:‏ هذا وما أشبهه من أحاديث الفتن من جملة معجزاته الاستقبالية التي أخبر أنها ستكون بعده وكانت وستكون وقد أفردها ‏[‏ص 194‏]‏ جمع بالتأليف‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ في الإيمان ‏(‏ت‏)‏ في الفتن ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ لكن قليل لم أره في النسخة التي وقفت عليها من مسلم‏.‏

3118 - ‏(‏بادروا بالأعمال هرماً‏)‏ أي كبراً وعجزاً ‏(‏ناغصاً‏)‏ بغين معجمة وصاد مهملة أي مكدراً ‏(‏وموتاً خالساً‏)‏ أي يخلسكم بسرعة على غفلة كأنه يختطف الحياة عند هجومه ‏(‏ومرضاً حابساً‏)‏ أي معوقاً مانعاً ‏(‏وتسويفاً مؤيساً‏)‏ قال في الفردوس‏:‏ هو قول الرجل سوف أفعل سوف أعمل فلا يعمل إلى أن يأتيه أجله فييأس من ذلك قال الحكماء‏:‏ والإمهال رائد الإهمال‏.‏

- ‏(‏هب عن أبي أمامة‏)‏ ورواه الديلمي في الفردوس عن أنس‏.‏

3119 - ‏(‏بادروا بالأعمال ستة‏)‏ أي أسرعوا بالأعمال الصالحة قبل وقوعها وتأنيث الست لأنها حطط ودواه ذكره الزمخشري وقال القاضي‏:‏ أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات فإنها إذا نزلت أدهشت وأشغلت عن الأعمال أو سدّ عليهم باب التوبة وقبول العمل ‏(‏طلوع الشمس من مغربها‏)‏ فإنها إذا طلعت منه لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل ‏(‏والدخان‏)‏ أي ظهوره ‏(‏ودابة الأرض والدجال‏)‏ أي خروجهما سمي به لأنه خداع ملبس ويغطي الأرض بأتباعه من الدجل وهو الخلط والتغطية ومنه دجلة نهر بغداد منها غطت الأرض بمائها ‏(‏وخويصة أحدكم‏)‏ تصغير خاصة بسكون الياء لأن ياء التصغير لا تكون إلا ساكنة والمراد حادثة الموت التي تخص الإنسان وصغرت لاستصغارها في جنب سائر العظائم من بعث وحساب وغيرهما وقيل هي ما يخص الإنسان من الشواغل المقلقة من نفسه وماله وما يهتم به ‏(‏وأمر العامّة‏)‏ القيامة لأنها تعم الخلائق أو الفتنة التي تعمي وتصم أو الأمر الذي يستبد به العوامّ وتكون من قبلهم دون الخواص‏.‏

- ‏(‏حم م عن أبي هريرة‏)‏ وما ذكره المؤلف من أن سياق حديث مسلم هكذا غير صحيح فإنه عقد لذلك باباً وروى فيه حديثين عن أبي هريرة لفظ الأول بادروا بالأعمال ستة طلوع الشمس من مغربها أو الدجال أو الدخان أو الدابة أو خاصة أحدكم وأمر العامة ولفظ الثاني بادروا بالأعمال ستاً الدجال والدخان ودابة الأرض وطلوع الشمس من مغربها وأمر العامّة وخويصة أحدكم اهـ‏.‏

3120 - ‏(‏بادروا بالأعمال ستاً‏)‏ من أشراط الساعة قالوا‏:‏ ما هي يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏إمارة السفهاء‏)‏ بكسر الهمزة أي ولايتهم على الرقاب لما يحدث منهم من العنف والطيش والخفة جمع سفيه وهو ناقص العقل والسفه كما في المصباح وغيره نقص العقل ‏(‏وكثرة الشرط‏)‏ بضم فسكون أو فتح أعوان الولاة والمراد كثرتهم بأبواب الأمراء والولاة وبكثرتهم يكثر الظلم والواحد منهم شرطي كتركي أو شرطي كجهني سمي به لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها والشرط العلامة ‏(‏وبيع الحكم‏)‏ بأخذ الرشوة عليه فالمراد به هنا معناه اللغوي وهو مقابلة شيء بشيء ‏(‏واستخفافاً بالدم‏)‏ أي بحقه بأن لا يقتص من القاتل ‏(‏وقطيعة الرحم‏)‏ أي القرابة بإيذائه أو عدم إحسان أو هجر وإبعاد ‏(‏ونشئاً يتخذون القرآن‏)‏ أي قراءته ‏(‏مزامير‏)‏ جمع مزمار وهو بكسر الميم آلة الزمر يتغنون به ويتمشدقون ويأتون به بنغمات مطربة وقد كثر ذلك في هذا الزمان وانتهى الأمر إلى التباهي بإخراج ألفاظ القرآن عن وضعها ‏(‏يقدمون‏)‏ يعني الناس الذين ‏[‏ص 195‏]‏ هم أهل ذلك الزمان ‏(‏أحدهم ليغنيهم‏)‏ بالقرآن بحيث يخرجون الحروف عن أوضاعها ويزيدون وينقصون لأجل موافاة الألحان وتوفر النغمات ‏(‏وإن كان‏)‏ أي المقدم ‏(‏أقلهم فقهاً‏)‏ إذ ليس غرضهم إلا الالتذاذ والإسماع بتلك الألحان والأوضاع‏.‏ قال العارف ابن عطاء اللّه‏:‏ أمره بالمبادرة بالعمل في هذه الأخبار يقتضي أنها من الهمم إلى معاملة اللّه والحث على المبادرة إلى طاعته ومسابقة العوارض والقواطع قبل ورودها‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ من حديث عليم ‏(‏عن عابس‏)‏ بموحدة مكسورة ثم مهملة ابن عبس ‏(‏الغفاري‏)‏ بكسر المعجمة وخفة الفاء نزيل الكوفة قال عليم‏:‏ كنا جلوساً على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال عليم‏:‏ لا أعلمه إلا عابس أو عبس الغفاري والناس يخرجون في الطاعون فقال‏:‏ يا طاعون خذني ثلاثاً فقلت‏:‏ ألم يقل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ لا يتمنى أحدكم الموت فإنه عند انقطاع عمله ولا يرد فيستعتب فقال‏:‏ سمعته يقول‏:‏ بادروا إلخ قال الهيثمي‏:‏ فيه عثمان بن عمير وهو ضعيف‏.‏

3121 - ‏(‏بادروا بالأعمال سبعاً‏)‏ أي سابقوا وقوع الفتن بالإشتغال بالأعمال الصالحة واهتموا بها قبل حلولها ‏(‏ما‏)‏ في رواية هل ‏(‏ينتظرون‏)‏ بمثناة تحتية بخطه ‏(‏إلا فقراً منسياً‏)‏ بفتح أوله أي نسيتموه ثم يأتيكم فجأة ‏(‏أو غنى مطغياً‏)‏ أي ‏{‏إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى‏}‏ ‏(‏أو مرضاً مفسداً‏)‏ للمزاج مشغلاً للحواس ‏(‏أو هرماً مفنداً‏)‏ -قال العلقمي‏:‏ الفند في الأصل الكذب وأفند تكلم بالفند ثم قالوا للشيخ إذا هرم قد أفند لأنه يتكلم بالمحرف من الكلام عن سنن الصحة وأفنده الكبر إذا أوقعه في الفند- أي موقعاً في الكلام المحرف عن سنن الصحة من الخرف والهذيان ‏(‏أو موتاً مجهزاً‏)‏ بجيم وزاي آخره أي سريعاً يعني فجأة ما لم يكن بسبب مرض كقتل وهدم بحيث لا يقدر على التوبة من أجهزت على الجريح أسرعت قتله ‏(‏أو الدجال‏)‏ أي خروجه ‏(‏فإن شر منتظر‏)‏ بل هو أعظم الشرور المنتظرة كما في خبر سيجيء ‏(‏أو الساعة والساعة أدهى وأمر‏)‏ قال العلائي‏:‏ مقصود هذه الأخبار الحث على البداءة بالأعمال قبل حلول الآجال واغتنام الأوقات قبل هجوم الآفات وقد كان صلى اللّه عليه وسلم من المحافظة على ذلك بالمحل الأسمى والحظ الأوفى، قام في رضا اللّه حتى تورمت قدماه‏.‏

- ‏(‏ت ك‏)‏ في الفتن وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال المنذري‏:‏ رواه الترمذي من رواية محرر ويقال محرز بالزاي وهو واه عن الأعرج عنه‏.‏

3122 - ‏(‏باكروا بالصدقة‏)‏ سارعوا بها والإبكار الإسراع إلى الشيء لأول وقته ‏(‏فإن البلاء لا يتخطى الصدقة‏)‏ تعليل للأمر بالتبكير وهو تمثيل جعلت الصدقة والبلاء كفرسي رهان فأيهما سبق لم يلحقه الآخر ولم يتخطه والتخطي تفعل من الخطو وفي خبر مرفوع عند الطبراني أن نفراً مروا على عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فقال‏:‏ يموت أحد هؤلاء اليوم فرجعوا ومعهم حزم حطب فحل حزمة فإذا حية سوداء فقال لصاحبها‏:‏ ماذا عملت اليوم قال‏:‏ ما عملت شيئاً إلا أنه كان معي فلقة خبز فسألني فقير فأعطيته فقال‏:‏ دفع بها عنك‏.‏

- ‏(‏طس عن علي‏)‏ أمير المؤمنين ‏(‏هب عن أنس‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه عيسى بن عبد اللّه بن محمد وهو ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات‏.‏

3123 - ‏(‏باكروا في طلب الرزق‏)‏ لفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من النسخ المصححة بادروا طلب الرزق ‏(‏والحوائج ‏[‏ص 196‏]‏ فإن الغدو بركة ونجاح‏)‏ أي هو مظنة الظفر بقضاء الحوائج ومن ثم قالوا المباكرة مباركة ولهذا كان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم إذا بعث سرية بعثها أول النهار فيندب التبكير للسعي في المعاش وقضاء القضايا قال ابن الكمال‏:‏ ولهذا ندبوا الإبكار لطلب العلم وقيل‏:‏ إنما ينال العلم ببكور الغراب، قيل لبزرجمهر‏:‏ بم أدركت العلم قال‏:‏ ببكور كبكور الغراب وتملق كتملق الكلب وتضرع كتضرع السنور وحرص كحرص الخنزير وصبر كصبر الحمار‏.‏

- ‏(‏طس عد‏)‏ وكذا البزار ‏(‏عن عائشة‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه إسماعيل بن قيس بن سعد وهو ضعيف‏.‏

3124 - ‏(‏بحسب المرء‏)‏ بسكون السين أي يكفيه في الخروج عن عهدة الواجب والباء زائدة ‏(‏إذا رأى منكراً‏)‏ يعني علم به والحال أنه ‏(‏لا يستطيع له تغييراً‏)‏ بيده ولا بلسانه ‏(‏أن يعلم اللّه تعالى‏)‏ من نيته ‏(‏أنه له منكر‏)‏ بقلبه لأن ذلك مقدوره فيكرهه بقلبه ويعزم أنه لو قدر عليه بقول أو فعل أزاله‏.‏

- ‏(‏تخ طب عن ابن مسعود‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ فيه الربيع ابن سهل وهو ضعيف‏.‏

3125 - ‏(‏بحسب امرئ من الإيمان‏)‏ أي يكفيه منه من جهة القول ‏(‏رضيت باللّه رباً‏)‏ أي وحده لا شريك له ‏(‏وبمحمد رسولاً‏)‏ أي مبلغاً ‏(‏وبالإسلام ديناً‏)‏ أتدين بأحكامه دون غيره من الأديان فإذا قال ذلك بلسانه أجريت عليه أحكام الإيمان من عصمة الدم والمال وغير ذلك من الأحكام الدنيوية فإن اقترن بذلك التصديق القلبي صار مؤمناً إيماناً حقيقياً موجباً لدخول الجنة وظاهر الحديث أنه لا يشترط الاتيان بلفظ الشهادتين بل يكفي ما ذكر لتضمنه معناه واشترط الاتيان بلفظهما جمع لأدلة أخرى ومحل تفصيله كتب الفروع‏.‏

- ‏(‏طس عن ابن عباس‏)‏ قال الطبراني‏:‏ تفرد به محمد بن عمير عن هشام انتهى ورواه عنه الديلمي أيضاً بإسقاط الباء أوله‏.‏

3126 - ‏(‏بحسب امرئ من الشر‏)‏ أي يكفيه منه في أخلاقه ومعاشه ومعاده ‏(‏أن يشار إليه بالأصابع‏)‏ أي يشير الناس بعضهم لبعض بأصابعهم ‏(‏في دين أو دنيا‏)‏ فإن ذلك شر وبلاء ومحنة ‏(‏إلا من عصمه اللّه تعالى‏)‏ لأنه إنما يشار إليه في دين لكونه أحدث بدعة عظيمة فيشار إليه بها وفي دنيا لكونه أحدث منكراً من الكبائر غير متعارف بينهم بخلاف ما تقارب الناس فيه ككثرة صلاة أو صوم فليس محل إشارة ولا تعجب لمشاركة غيره له فأشار المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بالإشارة بالأصابع إلى أنه عبد هتك اللّه ستره فهو في الدنيا في عار وغدا في النار ومن ستره اللّه في هذه الدار لم يفضحه في دار القرار كما في عدة أخبار قال الغزالي‏:‏ حب الرياسة والجاه من أمراض القلوب وهو من أضر غوائل النفس وبواطن مكائدها يبتلى به العلماء والعباد فيشمرون عن ساق الجد لسلوك طريق الآخرة فإنهم مهما قهروا أنفسهم وفطموها عن الشهوات وحملوها على العبادات عجزت نفوسهم عن الطمع في المعاصي الظاهرة وطلبت الاستراحة إلى إظهار العلم والعمل فوجدت مخلصاً من مشقة المجاهدة إلى لذة القبول عند الخلق ولم تعتقد ‏[‏ص 197‏]‏ باطلاع الخالق فأحبت مدح الخلق لهم وإكرامهم وتقديمهم في المحافل فأصابت النفس بذلك أعظم اللذات وهو يظن أن حياته باللّه وبعبادته وإنما حياته الشهوة الخفية وقد أثبت اسمه عند اللّه من المنافقين وهو يظن أنه عنده من المقربين فإذن المحمود المحو والخمول إلا من شهره اللّه لينشر دينه من غير تكلف منه كالأنبياء والخلفاء الراشدين والعلماء المحققين والأولياء العارفين‏.‏

- ‏(‏هب عن أنس‏)‏ وفيه يوسف بن يعقوب فقد قال النيسابوري‏:‏ قال أبو علي الحافظ‏:‏ ما رأيت بنيسابور من يكذب غيره وإن كان القاضي باليمن فمجهول وابن لهيعة وسبق ضعفه ‏(‏د عن أبي هريرة‏)‏ رواه عنه من طريقين وضعفه وذلك لأن في أحدهما كلثوم بن محمد بن أبي سدرة أورده الذهبي في الضعفاء وقال‏:‏ قال أبو حاتم‏:‏ تكلموا فيه وعطاء بن مسلم الخراساني فيهم أيضاً وقال ضعفه بعضهم وفي الطريق الآخر عبد العزيز بن حصين ضعفه يحيى والناس ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف الحديث ورواه الطبراني أيضاً باللفظ المزبور عن أبي هريرة وقال الهيثمي‏:‏ وفيه عبد العزيز بن حصين وهو ضعيف اهـ‏.‏

3127 - ‏(‏بحسب امرئ يدعو‏)‏ أي يكفيه إذا أراد أن يدعو ‏(‏أن يقول اللّهم اغفر لي وارحمني وأدخلني الجنة‏)‏ فإنه في الحقيقة لم يترك شيئاً يهتم به إلا وقد دعى به ومن رحمة اللّه فهو من سعداء الدارين‏.‏

- ‏(‏طب عن السائب بن يزيد‏)‏ بن سعد المعروف بابن أخت عز قيل وهو ليثي كناني وقيل كندي قال الهيثمي‏:‏ رجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وفيه ضعف‏.‏

3128 - ‏(‏بحسب أصحابي القتل‏)‏ أي يكفي المخطئ منهم في قتاله في الفتن القتل فإنه كفارة لجرمه وتمحيص لذنوبه وأما المصيب فهو شهيد ذكره ابن جرير حيث قال‏:‏ يعني يكفي المخطئ منهم في قتاله في الفتن القتل إن قتل فيها عن العقاب في الآخرة على قتاله من قاتل من أهل الحق إن كان القتال المخطئ عن اجتهاد وتأويل أما من قاتل مع علمه بخطئه فقتل مصراً فأمره إلى اللّه إن شاء عذبه وإن شاء عفى عنه ولا يناقضه خبر من فعل معصية فأقيم عليه الحد فهو كفارة لأن قتال أهل الحق له كفارة عن قتاله لهم وأما إصراره على معصية ربه في مدافعته أهل الحق عن حقهم وإقامته على العزم للعود لمثله فأمره إلى اللّه فقتله على قتاله هو الذي أخبر عنه المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بأنه عقوبة ذنبه إلى هنا كلامه‏.‏

- ‏(‏حم طب عن سعيد بن زيد‏)‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ سيكون فتن يكون فيها ويكون فقلنا‏:‏ إن أدركنا ذلك هلكنا فذكره قال الهيثمي‏:‏ رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات‏.‏

3129 - ‏(‏بخ بخ-بفتح الموحدة وكسر المعجمة منون فيها صيغة تعظيم ويقال في الإفراد بخ ساكنة وبخ مكسورة وبخ منونة وبخ منونة مضمومة وتكرر بخ بخ للمبالغة الأول منون والثاني مسكن ويقال بخ بخ مسكنين وبخ بخ منونين وبخ بخ مشددين كلمة تقال للمدح والرضى-‏)‏ كلمة تقال للمدح والرضا وتكرر للمبالغة فإن وصلت جرت ونونت وربما شدّدت ‏(‏لخمس‏)‏ من الكلمات ‏(‏ما أثقلهن‏)‏ أي أرجحهن ‏(‏في الميزان‏)‏ التي توزن بها أعمال العباد يوم التناد ‏(‏لا إله إلا اللّه وسبحان اللّه والحمد للّه واللّه أكبر‏)‏ يعني أن ثوابهن يجسد ثم يوزن فيرجح على سائر الأعمال وكذا يقال في قوله ‏(‏والولد الصالح‏)‏ أي المسلم ‏(‏يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه‏)‏ عند اللّه تعالى قال الديلمي‏:‏ الاحتساب أن يحتسب الرجل الأجر بصبره على ما أصابه من المصيبة‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن ثوبان‏)‏ مولى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال الهيثمي‏:‏ حسن يعني البزار ‏[‏ص 198‏]‏ إسناده إلا أن شيخه العباس ابن عبد العزيز البالساني لم أعرفه ‏(‏ن حب ك‏)‏ في الدعاء والذكر ‏(‏عن أبي سلمى‏)‏ راعي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حمصي له صحبة وحديث في أهل الشام ورواه عنه أيضاً ابن عساكر وقال‏:‏ يعرف بكنيته ولم يقف على اسمه وقال غيره اسمه حريث ‏(‏حم عن أبي أمامة‏)‏ قال الحاكم‏:‏ صحيح وأقره الذهبي ورواه أيضاً الطبراني من حديث سفينة قال المنذري‏:‏ ورجاله رجال الصحيح‏.‏

3130 - ‏(‏بخل الناس بالسلام‏)‏ أي بخلوا حتى بخلوا بالسلام الذي لا كلفة فيه ولا بذل مال ومن بخل به فهو بغيره من سائر الأشياء بخل وفيه حث على بذل السلام وإفشائه والإمساك عنه من أخبث الأفعال الرديئة والخصال المؤدية إلى الضرر والأذية‏.‏

- ‏(‏حل عن أنس‏)‏

3131 - ‏(‏براءة من الكبر لبوس‏)‏ لفظ رواية البيهقي لباس ‏(‏الصوف‏)‏ بقصد صالح لا إظهار للتزهد وإيهاماً لمزيد التعبد ‏(‏ومجالسة فقراء المؤمنين‏)‏ بقصد إيناسهم والتواضع معهم ‏(‏وركوب الحمار‏)‏ أي أو نحوه كبرذون حقير ‏(‏واعتقال العنز‏)‏ أو قال البعير هكذا وقعت في رواية مخرجه البيهقي على الشك يعني اعتقاله ليحلب لبنه والمراد أن فعل هذه الأشياء بنية صالحة تبعد صاحبها عن التكبر‏.‏

- ‏(‏حل هب‏)‏ من حديث محمد بن عيسى الأديب عن عثمان بن مرداس عن محمد بن بكير عن القاسم بن عبد اللّه العمري عن زيد عن عطاء ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال أبو نعيم‏:‏ ورواه وكيع عن خارجة ابن زيد مرسلاً وقال البيهقي‏:‏ رواه القاسم من هذا الوجه وروى أيضاً عن أخيه عاصم عن زيد كذلك مرفوعاً وقيل عن زيد عن جابر مرفوعاً اهـ ورواه الديلمي عن السائب بن يزيد والقاسم بن عبد اللّه العمري هذا أورده الذهبي في المتروكين وقال الزين العراقي في شرح الترمذي فيه القاسم العمري ضعيف وجزم المنذري بضعف الحديث ولم يبينه‏.‏

3132 - ‏(‏بريء من الشح‏)‏ الذي هو أشد البخل ‏(‏من أدى الزكاة‏)‏ الواجبة إلى مستحقيها ‏(‏وقرى الضيف‏)‏ إذا نزل به ‏(‏وأعطى في النائبة‏)‏ أي أعان الإنسان على ما ينوبه أي ينزل به من المهمات والحوادث‏.‏

- ‏(‏هناد‏)‏ في الزهد ‏(‏ع‏)‏ في مسنده ‏(‏طب‏)‏ كلهم من طريق مجمع بن يحيى بن زيد بن حارثة ‏(‏عن‏)‏ عمه ‏(‏خالد بن زيد بن حارثة‏)‏ ويقال ابن زيد بن حارثة الأنصاري قال في الإصابة‏:‏ إسناده حسن لكن ذكره يعني خالد بن زيد البخاري وابن حبان في التابعين‏.‏

3133 - ‏(‏برئت الذمّة‏)‏ أي ذمّة أهل الإسلام ‏(‏ممن‏)‏ أي من مسلم ‏(‏أقام مع المشركين‏)‏ يعني الكفار وخص المشركين لغلبتهم حينئذ ‏(‏في ديارهم‏)‏ فلم يهاجر منها مع تمكنه من الهجرة وتمام الحديث كما في الفردوس وغيره قيل‏:‏ لم يا رسول اللّه قال‏:‏ لا تتراءى نارهما وكانت الهجرة في صدر الإسلام واجبة لنصرة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أما بعد الفتح فلا هجرة كما نطق به الحديث الآتي‏.‏

- ‏(‏طب عن جرير‏)‏ بن عبد اللّه البجلي وظاهر صنيع المصنف أنه لم يوجد مخرجاً لأحد من الستة لكن رأيته في الفردوس رمز للترمذي وأبي داود فلينظر‏.‏

‏[‏ص 199‏]‏ 3134 - ‏(‏بردوا طعامكم‏)‏ أي أمهلوا بأكله حتى يبرد قليلاً فإنكم إن فعلتم ذلك ‏(‏يبارك لكم فيه‏)‏ وأما الحار فلا بركة فيه كما في عدة أخبار ويظهر أن المراد بتبريده أن يصير بارداً تقبله البشرة ويتهنئ به الآكل بأن يكون فاتراً لا بارداً بالكلية فإن أكثر الطباع تأباه فالمراد بالبرد أول مراتبه‏.‏

- ‏(‏عد عن عائشة‏)‏ ولم يقف الديلمي على سنده فبيض له‏.‏

3135 - ‏(‏برُّ الحج إطعام الطعام وطيب الكلام‏)‏ أي إطعام الطعام للمسافرين ومخاطبتهم باللين والتلطف وترك الشح والتعسف فإن ذلك من مكارم الأخلاق المأمور بها في جميع الملل‏.‏

- ‏(‏ك عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه‏.‏

3136 - ‏(‏برّ الوالدين‏)‏ بالكسر الاحسان إليهما قولاً وفعلاً قال الحرالي‏:‏ البرُّ الاتساع في كل خلق جميل ‏(‏يجزئ عن الجهاد‏)‏ في سبيل اللّه تعالى أي ينوب عنه ويقوم مقامه يقال جزا بغيره يجزي أي ينوب ويقضي وهذا في حق بعض الأفراد فكأنه ورد جواباً لسائل اقتضى حاله ذلك وإلا فالجهاد مرتبة عظيمة في الدين كما سلف وقد ثبت في الشريعة في حرمة الوالدين ووجوب برّهما والقيام بحقهما ولزوم مرضاتهما ما صيره في حيز التواتر وسئل المحابسي عن برّهما أيجب فقال‏:‏ ما يزيد أمرهما على أمر اللّه ومنه واجب ومندوب فإذا تقابل أمرهما وأمر اللّه فأمر اللّه أوجب وقال العلائي‏:‏ ذكر جمع أن ضابط برهما يعبر بضابط جامع مانع‏.‏

قال الإمام الرازي‏:‏ أجمع أكثر العلماء على أنه يجب تعظيم الوالدين والإحسان إليهما إحساناً غير مقيد بكونهما مؤمنين لقوله تعالى ‏{‏وبالوالدين إحساناً‏}‏ وقد ثبت في الأصول أن الحكم المترتب على الوصف مشعر بعلية الوصف فدلت الآية على أن الأمر بتعظيم الوالدين بمحض كونهما والدين وذلك يقتضي العموم‏.‏

- ‏(‏ش عن الحسن مرسلاً‏)‏ هذا تصريح من المصنف بأن مراده الحسن البصري وهو ذهول فقد عزاه الديلمي وغيره إلى الحسن بن علي فلا يكون مرسلاً‏.‏

3137 - ‏(‏بر الوالدين يزيد في العمر‏)‏ أي في عمر البار كما نطقت به الكتب السماوية ففي السفر الثاني من التوراة أكرم أباك وأمّك ليطول عمرك في الأرض الذي يعطيكها الرب إلهك ‏(‏والكذب‏)‏ أي الذي لغير مصلحة مهمة ‏(‏ينقص الرزق‏)‏ أي يضيق المعيشة لأن الكذب خيانة والخيانة تجلب الفقر كما مر في غيرما حديث ‏(‏والدعاء‏)‏ بشروطه وأركانه ‏(‏يرد القضاء‏)‏ الإلهي أي غير المبرم في الأزل فإنه لا بد من وقوعه كما بينه بقوله ‏(‏وللّه عز وجل في خلقه قضاءان قضاء نافذ وقضاء محدث‏)‏ مكتوب في صحف الملائكة أو في اللوح المحفوظ فهذا هو الذي يمكن تغييره وأما الأزلي الذي في علم اللّه فلا تغيير فيه البتة ‏(‏وللأنبياء‏)‏ أي والمرسلين ‏(‏على العلماء‏)‏ أي العلماء بعلم طريق الآخرة العاملون بما علموا ‏(‏فضل درجتين‏)‏ أي زيادة درجتين أي هم أعلا منهم بمنزلتين عظيمتين في الآخرة ‏(‏وللعلماء‏)‏ الموصوفين بما ذكر ‏(‏على الشهداء‏)‏ في سبيل اللّه بقصد إعلاء كلمة اللّه ‏(‏فضل درجة‏)‏ يعني هم أعلى منهم بدرجة فأعظم بدرجة هي تلي النبوة وفوق الشهادة وذلك يحمل من له أدنى عقل على بذل الوسع في تحصيل العلوم النافعة بشرط الإخلاص والعمل‏.‏